كتب محمود حسن أن كثيرين من المعارضين المصريين اعتقدوا أن مغادرة البلاد ستضع حدًا للملاحقة والقمع والاختفاء القسري، لكن يد السلطة امتدت إليهم عبر زوجاتهم وأطفالهم، في نمط متصاعد من الاستهداف العابر للحدود.
يوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن “أحمد الجمل” (اسم مستعار) اضطر إلى مغادرة مصر بعد صدور حكم بالسجن المشدد 15 عامًا بحقه في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية “فض اعتصام رابعة” في 14 أغسطس 2013، بتهم شملت الانضمام إلى جماعة إرهابية والتجمهر المسلح والقتل العمد وتخريب منشآت عامة، ما دفعه إلى الهروب وترك أسرته بلا عائل.
عقاب بالوكالة
يروي الجمل أن قوات الأمن تداهم منزل أسرته في إحدى قرى محافظة الجيزة بشكل شبه منتظم بعد منتصف الليل، وتفتش الشقة وتصادر هواتف أفراد العائلة، وتهدد زوجته بالاعتقال، في محاولة للضغط عليه رغم وجوده خارج البلاد. ويأتي ذلك في سياق أوسع من الملاحقات التي بدأت منذ الثالث من يوليو 2013، عقب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث واصلت السلطات استهداف معارضيه ولفقت لهم قضايا، ووسعت دائرة القمع لتشمل أقاربهم.
وتشير منظمات حقوقية مصرية ودولية، يبلغ عددها 19 منظمة، إلى تصاعد نمط “العقاب بالوكالة”، عبر استهداف عائلات المعارضين المقيمين في الخارج بالمداهمات والاعتقالات والاختفاء القسري، في محاولة لمعاقبة هؤلاء أو الضغط عليهم بسبب آرائهم وأنشطتهم السياسية، بما يحول أسرهم فعليًا إلى رهائن لدى الدولة.
وفي إحدى الشهادات، وُضع الطفل “عادل محمود” (اسم مستعار) في زنزانة بأحد أقسام الشرطة في محافظة الفيوم فجرًا، في محاولة لإجباره على كشف مكان وجود والده في الخارج، وطرق التواصل معه، ومصدر الدعم المالي للأسرة، وفق ما رواه لميدل إيست مونيتور.
وتشمل قائمة الضحايا حالات عديدة، من بينها الناشط سيف الإسلام عيد، مقدم بودكاست “عنبر كله يسمع”، الذي اعتقلت قوات الأمن والده السيد صبحي عيد (63 عامًا) في أكتوبر الماضي، وأخفته قسريًا لعدة أيام، قبل حبسه احتياطيًا على ذمة قضية ذات طابع سياسي. كما اعتقلت السلطات سيد خميس بسبب نشاط شقيقه الحقوقي في الخارج، واحتجزت شقيقًا آخر لفترة وجيزة، وأوقفت والد الصحفي أحمد جمال زيادة في 2023 على خلفية عمل ابنه الإعلامي خارج البلاد.
استراتيجية الرهائن
يصف التقرير هذا النمط من القمع العابر للحدود بأنه “استراتيجية رهائن”، حيث تستهدف السلطات المعارضين في الخارج عبر اعتقال أقاربهم، وفرض حظر السفر، ومصادرة جوازات السفر، والفصل من الوظائف الحكومية، والتحفظ على الأموال والممتلكات، والإدراج على قوائم الإرهاب.
ويترتب على الإدراج في هذه القوائم قيود واسعة بموجب القانون المصري، تشمل تجميد الأموال، ومنع التصرف في الممتلكات، وحظر السفر، والمنع من الترشح للمناصب العامة، فضلًا عن فقدان شرط “حسن السمعة” اللازم للعمل السياسي أو الوظيفي.
وقال صحفي مصري يعمل بإحدى القنوات العربية، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن السلطات منعت زوجته مرارًا من السفر للالتحاق به، بينما ذكر صحفي آخر أن قوات الأمن داهمت منزله وهددت والديه عقب نشره تقريرًا انتقد فيه رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وغالبًا ما تلتزم عائلات المعارضين الصمت، وتتجنب التواصل مع منظمات حقوقية أو تقديم شكاوى رسمية، خشية تلفيق قضايا جديدة بحق أفرادها، ما يدفع بعض الأسر إلى الانتقال لمحافظات أخرى بحثًا عن قدر من الأمان.
وفي الشهر الماضي، أحالت السلطات الناشط السياسي أنس حبيب، المقيم بالخارج، و49 آخرين إلى محكمة جنائية غيابيًا بتهم تتعلق بالدعوة إلى إغلاق السفارات المصرية في الخارج، بينما تعرضت عائلته لمضايقات أمنية واعتُقل عمه وابن عمه في محافظة البحيرة.
القمع الاجتماعي وتفكيك الأسر
يتناول التقرير بعدًا آخر من الاستهداف يتمثل في “القمع الاجتماعي”، حيث تمنع السلطات لمّ شمل الأسر عبر منع الزوجات والأبناء من السفر، ومصادرة وثائقهم الرسمية. وأكد محامٍ حقوقي لميدل إيست مونيتور أن عشرات المصريين المقيمين في تركيا انفصلوا قسرًا عن أسرهم نتيجة هذه الممارسات، دون قرارات قضائية.
وفي بعض الحالات، لجأت زوجات معارضين إلى طلاق صوري لإزالة أسماء أزواجهن من الأوراق الرسمية، لكن المنع من السفر استمر. كما تسببت المضايقات الأمنية في إفشال زيجات حديثة، بعد منع الزوجات من السفر، ما أدى إلى انهيار العلاقات قبل اكتمالها.
ويشير الباحث السياسي عمرو المصري إلى أن هذه السياسة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى خمسينيات القرن الماضي في عهد جمال عبد الناصر، وتهدف إلى سحق المعارضة عبر جعل حياة أفرادها وأسرهم غير قابلة للاستمرار، وبث الخوف في المجتمع لردع أي تفكير في معارضة النظام القائم.
ويخلص التقرير إلى أن “استراتيجية الرهائن” أثبتت فاعليتها داخل مصر في إسكات معارضين بالخارج أو دفعهم إلى تخفيف حدة انتقاداتهم، أملًا في حماية عائلاتهم من القمع المستمر.
https://www.middleeastmonitor.com/20251223-egypt-targets-its-opponents-abroad/

